عاد الحديث عن انسحاب القوات الروسية من منطقة ريف حلب الشمالي وهو العادة المتكررة كلما ولد معطى سياسي جديد في الساحة التركية.
وتضاربت الأنباء خلال الأيام الماضية حول انسحاب القوات الروسية من نقاط تتمركز فيها في مدينة تل رفعت ومحيطها ومطار منغ العسكري بريف حلب الشمالي، فبينما أوردت وكالة «هاوار» المحلية المقربة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» خبرا مفاده إخلاء القوات الروسية قواعدها في مدينة تل رفعت وقاعدة في «مطحنة الفيصل» بالقرب من قرية كشتعار، فقد نفته وسائل إعلامية أخرى والمرصد السوري لحقوق الإنسان.
بدورها أفادت مصادر في الجيش الوطني السوري المعارض لـ «القدس العربي» بأن ما يجري تداوله حول انسحاب القوات الروسية من نقاط تمركزها في تل رفعت و«مطحنة الفيصل» عارٍ عن الصحة، ولا تتعدى التحركات الروسية التي فسرت انسحابا عملية تبديل روتينية للقوات. الأمر الذي أكده محمود عليطو القيادي في الجيش الوطني السوري، والمنحدر من مدينة تل رفعت، وأشار القيادي الذي يتمركز مع مقاتليه على خطوط القتال المتوقفة ضد قوات النظام إلى ان القوات الروسية في تحركاتها الأخيرة «خفضت من عدد مقاتليها في المدينة» لافتا إلى أن ذلك التخفيض ومن خلال تتبع خط سير القوات الروسية في سوريا يعود إلى احتمالين؛ أولهما هو تخفيض عدد القوات مع قرب الحديث عن عمل تركي محتمل، وثانيهما: الضغط على «قسد» واستخدام هذا الإجراء لتحقيق مكاسب معينة وإجبارها على تقديم بعض التنازلات.
وتشير أحداث سابقة مرتبطة بانتشار القوات الروسية في تل رفعت إلى استخدام تخفيض عدد القوات كورقة ضغط على المقاتلين الأكراد، وكان آخر تلك المحاولات منتصف نيسان (إبريل) 2021 حيث طالبت روسيا «قسد» حينها بزيادة كميات النفط المورد لمناطق سيطرة النظام مع تسهيل عمليات نقله، والقبول بفرض نظام الأسد ضرائب على البضائع والأشخاص القادمين من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشرق سوريا.
وأرجعت قيادات وحدات «حماية الشعب» الكردية حينها أسباب انسحاب القوات الروسية لنقاط خلافية بينهما مرتبطة بتوريد وتسهيل نقل المحروقات من مناطق سيطرة «قسد» إلى مناطق النظام، بالإضافة لمطالب روسية بزيادة عدد المعابر بين مناطق سيطرة النظام و«قسد» والموافقة على تولي الشرطة العسكرية الروسية إدارة تلك المعابر.
وما يفتح باب التكهنات حول محاولات الضغط الروسية على «قسد» بغرض تقديمها تنازلات للنظام، المستجدات المتعلقة بحصار قوات النظام حيي «الشيخ مقصود والأشرفية» في مدينة حلب، والحيان هما الخاصرة الرخوة بالنسبة للوحدات الكردية حيث يمارس النظام الضغط عليهما وحصارهما كلما توتر الوضع مع «الوحدات « في منطقة شرق نهر الفرات والجزيرة السورية.
وحسب مصادر محلية فإن قوات النظام تحاصر الحيين منذ أكثر من شهر، ومنعت دخول قوافل محروقات ومواد غذائية وأدوية إليهما، الأمر الذي قابلته قسد الأسبوع الماضي بحصار قوات النظام داخل المربع الأمني في مدينة الحسكة، حيث منعت قوات النظام وآلياتها من الدخول والخروج منه، بالإضافة لاعتقالها ثلاثة عناصر من قوات النظام داخل مدينة الحسكة.
الجدير بالذكر، أن عودة الحديث عن تل رفعت من خلال ما توارد من أنباء متضاربة حول انسحاب الشرطة العسكرية الروسية منها، أثارت جدلاً واسعًا في الشارع السوري المعارض نتيجة ربط أنباء الانسحاب بأحداث عدة تزامنت معها، ومنها «مؤتمر أهالي حلب» الذي نظمته هيئة «تحرير الشام» في منطقة باب الهوى في إدلب، وما صرح به زعيمها أبو محمد الجولاني بقوله «نحن في نهاية المطاف، ولم يبق إلا القليل حتى نصل إلى حلب» وقوله «خلال السنة المقبلة أو السنتين ستتغير خريطة المعارك في حلب» بالإضافة لتكهنات عدة بتغير طريقة تعامل الإدارة التركية مع الملف السوري بعد الانتخابات.
وبالتوازي مع ذلك، جدد الطيران الروسي بعد انقطاع لأشهر، قصفه على مناطق عدة في إدلب الخاضعة لاتفاق «خفض التصعيد» واستهدف القصف الروسي أطراف قرية بزابور في جبل الأربعين، ونقاط تماس بين هيئة «تحرير الشام» وقوات النظام في جبل الزاوية، فبينما ربط البعض هذا التصعيد بتفاهمات روسية تركية يمكن أن تشمل منح النظام السيطرة على المناطق الواقعة جنوب طريق الترانزيت حلب – اللاذقية والمعروف «M4» مقابل سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا على تل رفعت ومنطقة الشهباء، كما ربطه آخرون بما ورد من أنباء حول مقتل قائد القوات الروسية الخاصة في قصف مدفعي لهيئة «تحرير الشام» على مقر عمليات قوات النظام بريف اللاذقية.
الجدير بالذكر، أن مدينة تل رفعت تحظى بأهمية استراتيجية للأطراف كافة، فتركيا ترغب في السيطرة عليها لإبعاد «قسد» عن حدودها الجنوبية، الأمر الذي يجعل من الأخيرة في غاية الحرص للاستمرار في بقائها هناك، وتهديد «الأمن القومي» لأنقرة، بالإضافة لكونها في خاصرة مناطق سيطرة الجيش الوطني وتأثير هذا القرب على كل من عفرين ومارع وصولا إلى اعزاز، وتشكل المنطقة تحديا وجوديا للوحدات الكردية فخروجها من تل رفعت يدق الأسفين الأخير في حلم عودتها والسيطرة على منطقة عفرين الكردية. وهذا ما لا ترغبه تركيا ولا فصائل الجيش الوطني السوري المعارض.
في سياق آخر، يتجاوز عدد النازحين من ريف حلب الشمالي ومنطقة تل رفعت 250 ألفا، وينتشرون في مخيمات خاصة بهم أنشأوها بعد مرحلتين من التهجير، بدأت المرحلة الأولى مع سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على المدينة ومحيطها في 2014 والثانية مع سيطرة «قسد» التي ترافقت مع تقدم قوات النظام لفك الحصار عن نبل والزهراء، وقطع طريق حلب-اعزاز عام 2016. ويعيش النازحون على أمل التوصل لاتفاق يمكن الجيش الوطني المدعوم من أنقرة من السيطرة على منطقتهم، على الرغم من إحباطهم مسبقًا خلال عملية «غصن الزيتون» 2018 التي مكنت الوطني من السيطرة على عفرين بدعم الجيش التركي، إلا انها توقفت على حدود تل رفعت التي شارك أبناؤها المقاتلون ضمن صفوف الجيش الحر في العملية، متوقعين ان منطقتهم هي الهدف التالي، حسب وعود الجانب التركي.
من جهة أخرى، لا يبدو أن لروسيا نية في الانسحاب من المدينة، لضمان استمرارية تأثيرها على «قسد» وبالتالي ضمان استجابة الأخيرة للمطالب الروسية، بالإضافة لحرص روسيا على عدم التخلي عن المدينة ومنحها بشكل مجاني للقوات الإيرانية المنتشرة أيضا في نفس المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يضعف نقاط القوة الروسية في أي مفاوضات يمكن أن تقوم بها بخصوص سوريا، وبنفس الوقت منح القوة وزيادة تأثير إيران أو تركيا، ما يشير إلى أن القوات الروسية لن تسمح بإضعاف نفوذها على الأرض، ومنح هذا النفوذ سواء لتركيا أو إيران لمجرد استياءها من ممارسات وسياسات «قسد» إنما للمقايضة وتحقيق المكاسب، وهذا ما عملت به بانسحابها من عفرين في 2018 لصالح تركيا.

المصدر القدس العربي

Please rate this

By sham

اترك تعليقاً