وجهت الإمارات العربية المتحدة التي ستستضيف مؤتمر Cop28 الذي تقيمه الأمم المتحدة لهذا العام، دعوة لرئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور قمة المناخ السنوية، في خطوة صدمت العالم بأسره، ولهذا وصفت منظمة العفو الدولية هذا القرار بـ “النكتة السمجة”، أما منظمة هيومن رايتس ووتش فوصفتها بـ”الشائنة”، ولهذا لن تتحرك المملكة المتحدة لشرعنة خطوة كهذه، بل من المتوقع أن تظهر حالة سخط ونقمة تجاه تلك الدعوة.
التغاضي عن جرائم النظام السوري
تسبب قمع الأسد الوحشي للمظاهرات في سوريا بأشد الحروب ضراوة ودموية في التاريخ المعاصر، كما اتسم حكمه القائم على التخويف بالتعذيب والإخفاء القسري بل حتى بالهجوم باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، إذ قتل الآلاف من السوريين، ومعظمهم مدنيون.
كما فر ملايين السوريين من البلد فخلقوا أكبر أزمة لجوء في العالم، والأشنع من كل ذلك جرائم الأسد ضد الإنسانية التي دفعت دولة مثل الإمارات ودولا أخرى في الجامعة العربية، والتي لا يمكن اعتبارها بأي شكل من الأشكال معقلاً لحماية حقوق الإنسان، إلى فرض عزلة على هذا المستبد لأكثر من عقد من الزمان، ولكن الأسد أعيد إلى الجامعة العربية خلال هذا الشهر، وبُعيد ذلك، أرسلت له الإمارات دعوة لحضور المؤتمر، في خطوة لم تعد تفاجئ معظمنا.
لم تكترث الإمارات بالمليارات التي صرفتها لتغسل سمعتها الملوثة فيما يتصل بحقوق الإنسان، ففي عام 2018 اعتقلت الإمارات الصحفي ماثيو هيدجيز كاتب هذا المقال، فعذبته وحكمت عليه بالسجن المؤبد بتهمة التجسس لصالح المملكة المتحدة، وبالطبع لم تُجر له محاكمة مناسبة، بل إن محاكمته لم تطل أكثر من خمس دقائق، ولكن بفضل مناصرة زوجته الدؤوبة له، وسعي الدبلوماسية البريطانية في نهاية المطاف لتحريره من تحت الطاولة، ولكن على مضض، تم إطلاق سراح الصحفي البريطاني بعد اعتقال دام لسبعة أشهر تقريباً كانت حياته فيها أشبه بالجحيم، لكن ذلك كان أرحم من حكم المؤبد الذي أصدرته دولة الإمارات بحقه.
يحدثنا الصحفي هيدجيز عن تجربته فيقول: “خلال الشهر الأول نمت على الأرضية وحرموني من الاستحمام، وخلال معظم الشهور الستة بقيت في زنزانة منفردة والأصفاد بيدي، وكانوا يطعمونني خليطاً من المخدرات التي بسببها عانيت من أعراض الانسحاب، وصارت تنتابني مشاعر وأفكار انتحارية، وبقيت أعاني، ثم ظهرت لدي أعراض اضطراب ما بعد الكرب والأرق، وما زلت بحاجة لمراجعة طبيب عقلي متخصص، ولهذا لم تكن دعوة الإمارات للأسد مفاجئة بالنسبة لي على الأقل”.
الجدير بالملاحظة هنا هو أن تلك الدعوة لا تنسجم مع طريقة تعاطي الإمارات مع إدارة سمعتها على المستوى العالمي، فبما أنها حذرة في هذا المجال في معظم الأحيان، لذا أتى تعيينها كدولة مضيفة لمؤتمر Cop28 عقب سلسلة من الأخطاء غير المعهودة للإمارات في مجال علاقاتها العامة، أي إن اختيار الإمارات لاستضافة هذا المؤتمر أتى مثيراً للاستغراب، ليس فقط بسبب سجلها المريع في مجال حقوق الإنسان، بل أيضاً لأنها من كبرى الدول المصدرة للنفط والغاز في العالم.
الإمارات الخضراء!
ولقد أدرك الجميع بأن تلك هي المحاولة الأخيرة للإمارات لتلميع صورتها، أو لجعل صورتها خضراء على الساحة الدولية، إلا أن الأمور وصلت إلى أسفل سافلين منذ ذلك الحين، إذ في البداية أثارت الإمارات سخط الجميع عبر تعيينها للمدير التنفيذي لإحدى شركات النفط لديها رئيساً للمؤتمر، وبعد ذلك بفترة قصيرة، انتشرت أخبار عن تخطيط الدولة لزيادة إنتاجها من النفط والغاز بكميات مهولة، وتصدر ذلك الخبر عناوين الصحف العالمية. وخلال الفترة نفسها ظهرت تقارير مرعبة حول إرسال تحذيرات خطية للمشاركين في المؤتمر من مغبة انتقاد دولة الإمارات أو الاحتجاج عليها بأي شكل من الأشكال في أثناء فترة انعقاد المؤتمر، أما دعوة الأسد فكانت آخر صفعة فاضحة على خد هذا الحدث الدولي الذي يسعى لإيجاد حل لقضية معينة، ولا بد أن يؤثر هذا الحل بشكل كبير على أشد الفئات ضعفاً في هذا العالم.
يحق لكل دولة أن يكون لها تمثيل في أي محفل دولي مهم، غير أن توجيه دعوة لمبعوث سوريا شيء والترحيب به عبر توجيه دعوة مباشرة لرئيسه الذي ارتكب مجازر جماعية وأعمال إبادة شيء آخر، ويكفي الإمارات سوءاً أنها تحاول استغلال المؤتمر لتحسين سمعتها، فكيف إذن بمحاولتها تنظيف الأسد من أدرانه؟ إن هذا لعمري قد تجاوز حدود إبداء القلق، لأنه يمثل الإجرام بعينه.
وهنا ينبغي على الدول أن تتخذ موقفاً إزاء ذلك، وذلك لأن الكثير من السياسيين يدافعون عن الإمارات، بيد أنه على الحكومة البريطانية ألا تفكر بأموال الإمارات وبمفاوضاتها معها على صفقة تجارية هي والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، عندما تريد أن تفعل ما هو حق وصواب.
وكخطوة أولى، يجب التفكير ملياً بمن سيمثل الدول في المؤتمر، ولا بد أن يكون لبريطانيا حضور فيه بكل تأكيد، وهذا لا نقاش فيه، بما أن بريطانيا كانت الدولة المضيفة للمؤتمر في عام 2021، لذا، فإن إرسال ممثل على المستوى الوزاري أو أرفع يعتبر رسالة للعالم بأسره عموماً، وللإمارات خصوصاً، مفادها بأننا سنتغاضى عن تحويل الدولة المضيفة للمؤتمر وكل ما يمثله ويعنينا إلى أمر يعتبر مدعاة للسخرية، ولهذا لن ترى الإمارات وزير الخارجية البريطاني أو رئيس وزراء المملكة المتحدة يقف جنباً إلى جنب مع بوتين في مؤتمر كهذا، وينطبق الشيء ذاته على الأسد، لأن المسار الصحيح الوحيد للأمور هو الضغط بشكل أكبر على الإمارات لتتراجع عن هذا القرار، وهنا يجب على حكومة المملكة المتحدة أن تتصدر تلك الدعوات وأن تثبت بأن بريطانيا مايزال لها دور في الدبلوماسية الدولية.
إندبندنت